كرة القدم: أكثر من مجرد لعبة
لا يوجد سوى عدد قليل من القصص التي توضح هذا الأمر بقوة كما توضحه قصة نيلسون مانديلا في جزيرة روبن، حيث أصبحت الرياضة، وخاصة كرة القدم، رمزًا للأمل بالنسبة للسجناء السياسيين أثناء نظام الفصل العنصري. صُممت جزيرة روبن وهي سجن شديد الحراسة وجد لأولئك الذين تجرأوا على تحدي نظام الفصل العنصري الوحشي في جنوب إفريقيا.
18 عامًا في عزلة قاسية، هذا ما أمضاه نيلسون مانديلا إلى جانب عدد لا يحصى من المقاتلين من أجل الحرية، ليتعرضوا لأعمال عنف قاسية وظروف غير إنسانية. ومع ذلك، وسط الكآبة، وجد السجناء مصدرًا رائعًا للأمل والوحدة: كرة القدم.
في عام 1966، أنشأ السجناء اتحاد ماكانا لكرة القدم، وهو اتحاد تم تنظيمه بدقة من قبل السجناء أنفسهم. ورغم أنه لم يُسمح لمانديلا - بسبب مكانته السياسية الرفيعة - بالمشاركة بشكل مباشر، إلا أنه أدرك قوة اللعبة وقدرتها على بناء التضامن والتكافل. وأصبح اتحاد ماكانا لكرة القدم أكثر من مجرد وسيلة للتسلية عن حقائق الحياة المرهقة في السجن ــ بل أصبح رمزاً للمقاومة والكرامة والمرونة.
لقد جمعت كرة القدم في جزيرة روبن بين رجال من فصائل سياسية مختلفة كانوا ليظلوا منقسمين لولا ذلك. ومن خلال الحب المشترك للعبة، تمكن السجناء من بناء روابط تتجاوز اختلافاتهم الإيديولوجية، وتوحدوا تحت هدف مشترك. لقد أعطى التنظيم الدقيق لدوري كرة القدم مع الالتزام الصارم بقواعد الاتحاد الدولي لكرة القدم السجناء شعوراً بالقدرة على التصرف في مكان مصمم لحرمانهم من ذلك الشعور.
لقد أصبحت كرة القدم المهرب ومصدر هويتهم ووسيلة للحفاظ على إنسانيتهم في مواجهة القمع اللاإنساني.
لقد امتدت أهمية كرة القدم في حياة مانديلا إلى ما هو أبعد من جزيرة روبن، فبعد إطلاق سراحه في عام 1990، أدرك مانديلا القوة الثقافية العميقة للرياضة في سد الفجوات وهو الإدراك الذي أصبح فيما بعد حجر الزاوية في جهوده الرامية إلى مداواة جنوب أفريقيا المنقسمة.
وكان استخدامه الإبداعي للرياضة كأداة للوحدة الوطنية واضحاً بشكل لا يُنسى أثناء بطولة كأس العالم للرجبي عام 1995، حيث أصبح دعمه العلني لفريق سبرينغبوك الذي يغلب عليه البيض لحظة حاسمة في عملية المصالحة. وتكمن عبقرية مانديلا في فهمه لحقيقة مفادها أن الرياضة قادرة على توحيد البلاد بنفس الفعالية التي نجحت بها في توحيد السجناء في جزيرة روبن.
إن قصة كرة القدم في جزيرة روبن واستخدام مانديلا للرياضة في وقت لاحق لتعزيز الوحدة يكشفان عن التأثير العميق الذي يمكن أن تحدثه كرة القدم ــ والرياضة بشكل عام ــ على المجتمعات التي تعيش حالة من الاضطراب.
إن كرة القدم تتمتع بقدرة لا مثيل لها على جمع الناس، بغض النظر عن العرق أو الطبقة أو السياسة، فهي تخلق أرضية مشتركة حيث تتلاشى الاختلافات وتبني التجربة المشتركة للعبة روابط دائمة.
في عالم تهيمن عليه الانقسامات والصراعات في كثير من الأحيان، تعمل قصة مانديلا كتذكير بقدرة الرياضة على جلب الأمل في أحلك الأوقات. لقد وجد سجناء جزيرة روبن، الذين جُرِّدوا من حريتهم، العزاء والقوة في كرة القدم، وهي الرياضة التي لم توفر لهم مهربًا مؤقتًا من معاناتهم فحسب، بل ساعدتهم أيضًا في الحفاظ على كرامتهم ووحدتهم.
وقد سخَّر مانديلا لاحقًا نفس القوة لعلاج أمة منقسمة بشدة، تظل قدرة كرة القدم على تقديم الأمل، حتى في مواجهة اليأس، واحدة من أعظم هداياها للعالم. إنها تعلمنا أنه مهما كانت الظروف صعبة، فإن روح الإنسانية يمكن أن تصمد - وأحيانًا، كل ما يتطلبه الأمر هو كرة ورقعة من العشب.
النشاط