مثل كل شيء في غزة، الحرب تدمر المستقبل الموعود لكرة القدم
صغارها وكباراها يدكرون انها أكثر من مجرد لعبة، متجاوزة صراعاتنا اليومية و التي طال أمدها.نحن تمامًا مثل الكثير من المشجعين في جميع أنحاء العالم، متابعون ومخلصون لأجمل "لعبة".
غزة ولعبة كرة القدم الجميلة
إذا قمت بزيارة غزة قبل الحرب، لشعرت بالإثارة تجاه كرة القدم والفرح الملموس الذي تجلبه للمجتمع. لطالما رأيت حماس أبناء مجتمعي للمباريات الهامة مثل الكلاسيكو والديربي وبطولات كأس العالم لكرة القدم (خاصة نسخة قطر 2022). ولشاهدت الأماكن العامة والمقاهي مزينة، والشوارع تعج بالمشجعين، والأندية الرياضية مليئة بمشاهد وأصوات الحياة قًِبل بثها على الشاشات العامة.
وعلى نحو مفاجئ، حلت أضواء الملاعب محل لهيب الحرب، وأصداء الجماهير المبتهجة بهدير مدوي للطائرات الحربية، الذي ألقى بظلاله على كل شيء جميل في غزة.
أكثر من مجرد لعبة
لم تكن كرة القدم مجرد هواية فقط، بل كان بمثابة شريان حياة لآلاف الشباب، حيث كانت العزاء وسط الفوضى، والصداقات في الوحدة، والراحة في أوقات القلق، وطالما كانت هدفًا نتطلع إليه.
كانت كرة القدم للعديد من الشباب مخرج من الإضرابات الذهنية. وآخرون أعتداو لعبها كاستراحة من أعباء الحياة.
عندما كنا نلعب كرة القدم، كنا نضحك ونصرخ ونهتف وأحيانًا نغني، كانت كرة القدم فترة فاصلة للألم، واستراحة صغيرة عن أصوات القصف العالقة في ذاكرتنا من الحروب السابقة.
في الماضي، كنت أتصل بأصدقائي بعد العمل وأقوم بحجز ملعب صغير لمدة ساعة أو ساعتين. نقوم بتنظيم بطولات صغيرة في نهاية الأسبوع عندما شعرنا أننا بحاجة إلى التوقف عن العمل والتنفس والمنافسة مرة أخرى.
كان لعب كرة القدم بمثابة فترة راحة من تحديات الحياة، ووسيلة للتغلب على الظروف الخانقة والعقبات التي لا مفر منها. لقد كان هذا سببًا لاجتماعنا معًا، مما جلب لنا شعورًا بالارتياح والوحدة، وكان له تأثير إيجابي على صحتنا النفسية.
أثناء اللعب، تتبدد ضغوطنا، لم يكن هناك شيء مهم للغاية حيث كانت أفكارنا مستهلكة فقط في التسجيل وفن المراوغة والاستمتاع.
وبعد أن مررنا بآلام ثقيلة بسبب الحروبات السابقة، فإننا ما زلنا نبحث عن سبل للتخفيف من تداعياتها، سواء كانت اجتماعية و/أو اقتصادية و/أو نفسية. وكانت مشاهدة مباريات كرة القدم معًا على الشاشات أو لعب كرة القدم في الشوارع إحدى تلك الطرق، كان حب كرة القدم حياً حتى عندما كان الموت واضحاً.
في ظل تدمير الأندية والمرافق الرياضية تزداد المآسي.
كما هو الحال لبيوتنا ومؤسساتنا وبنيتنا التحتية، وفي لمح البصر، حولت إسرائيل ملاعب كرة القدم في غزة إلى مقابر مهجورة. إن السير في مدينة غزة اليوم يشبه السير في مدينة أشباح. لقد حطمت الحرب الفرح والصخب والإثارة من حياتنا والعديد من الأصدقاء الذين أود أن أدعوهم للعب قد قُتلو بشكل مأساوي خلال هذه الإبادة الجماعية 1 .
ومع استمرار الحرب في تدمير مدينتنا، لم تعد الشوارع مكانًا آمنًا للعب، بل هي تذكير يومي بالدمار واليأس والخسارة. لقد أودت هذه الفظائع بحياة الناس وأصيب الشعب بالصدمة، وحولت غزة إلى أنقاض.
لقد دمرت أيضًا أحد سبل الهروب المؤقتة الوحيدة لدينا، مما يجعل من المستحيل اللعب حتى في الشوارع وكما هو الحال مع كل شيء جميل في قطاع غزة، تم سّحق كرة القدم.
بنيت للمتعة والآن هي للمأوى
وجد في غزة ملاعب مختلفة منها الصغيرة وأخرى الكبيرة، وشكلت تلك الملاعب مصدر جذب لآلاف المشجعين في أيام المباريات بل أيضا في مختلف المناسبات، كانت الملاعب أماكن نابضة بالحياة تعمل على تعزيز الوئام الاجتماعي خاصة حين يتجمع الآلاف من الناس لمشاهدة مباريات كرة القدم على الشاشة الكبيرة. لطالما كانت الملاعب سبب في رغبة المجتمع لإقامة فعاليات رياضية كبيرة في ظل الحاجة الماسة للتحسنيات في القطاع الرياضي.
وبينما أفقدتنا الحرب ملامح مدينتا، فإن ملاعب كرة القدم لن تكن استثناءً، لقد قصف الجيش الإسرائيلي كافة الملاعب والمرافق تقريباً، أما تلك التي ظلت قائمة فقد تحولت إما إلى ملاجئ واسعة للنازحين من غزة أو تم تحويلها إلى ثكنات عسكرية.
إن مشاهد الملاعب التي دمرت والتي تستخدم الآن كملاجئ هو أمر مثير للخوف والقلق. وما كان ذات يوم مكانًا للفرح واللعب أصبح الآن آخر بصيص من الأمل والمأوى لسكان غزة اليائسين.
من الجامعات إلى الملاعب، دمر القصف البنية التحتية لغزة ومراكزها النابضة بالحياة الثقافية والمدنية.
هل فات الأوان أو من المهم الاستثمار الآن؟
قبل اندلاع الحرب، كان قطاع الرياضة في غزة في كثير من الأحيان مهمل من قبل صناع القرار، ويعود ذلك جزئيًا إلى عدم استقرار الوضع العام في المدينة. ولكن لم يمنع ذلك المسوؤلين في قطاع كرة القدم للسعي بالحصول على استثمارات من الدول المانحة.
لسنوات عديدة لم تكن كرة القدم الفلسطينية أولوية على جدول أعمال المجتمع الدولي بسبب القيود المالية وبسبب الحاجة الماسة لتخصيص معظم الأموال لدعم مشاريع المساعدة الإنسانية بدلاً من مشاريع التنمية.
في عام 2021، أتيحت لي فرصة رائعة جمعت بين حبي لكرة القدم ورغبتي في مساعدة مجتمعي، لقد تم اختياري للمشاركة في مهرجان الشباب للجيل المبهر في الدوحة - قطر، حيث اكتسبت رؤى متنوعة حول (نهج كرة القدم من أجل التنمية - اتخاذ القرار من خلال كرة القدم، ودور الرياضة في التغلب على التحديات في مجتمعاتنا وتعزيز الوحدة...) .
لأصبح في عام 2022، مناصرًا للشباب في الجمعية العامة للمهرجان الذي تزامن مع كأس العالم في قطر. كان لقاء لاعبي كرة القدم المشهورين ومشاهدة مباراة في كأس العالم بمثابة حلم أصبح حقيقة. كما حضرت أيضًا حلقات نقاش وورش عمل مفيدة استضافت متحدثين مؤثرين من جميع أنحاء العالم.
كنت قد خططت للعودة إلى المنزل لرد الجميل لمجتمعي في غزة والتخطيط للأنشطة المتعلقة بكرة القدم وتعليم الأطفال - أن كرة القدم هي أكثر من مجرد لعبة!
كنت أحلم بإدارة مشاريع رياضية وإقامة بطولات متنوعة واستكمال كتابة بحثي الدراسي الخاص بكرة القدم. ومن المؤسف أن ويلات الحرب أحبطت جميع خططي وأحلامي.
في الورقة البحثية التي كنت أكتبها قبل الحرب، استكشفت إمكانية تحقيق السلام من خلال الاستفادة من قوة كرة القدم. حيث تدور أهم مقترحات البحث على فكرة أن كرة القدم يمكن أن تكون وسيلة للتحول الاقتصادي الإيجابي في قطاع غزة.
الآن، أشعر أنه حتى هذا البحث غير صالح لأن واقعنا قد تغير تمامًا لعقود قادمة، لا أستطيع حتى أن أتخيل مستقبل كرة القدم في حين توقفت الحرب اليوم.
لحظات من التأمل وسط خسارة كبيرة
في زمن الحرب، يستذكر مشجعو كرة القدم في غزة الأيام التي كانوا يلعبون فيها كرة القدم، فتتألم قلوبهم لأنهم عاشوا الدمار الذي كان مصدر راحة لهم في السابق وذكرياتهم المدفونة تحت رماد ملاعب كرة القدم المدمرة. ومع ذلك، يبقى الأمل في اللعب مجدداً والمنافسة والشعور بمتعة كرة القدم من جديد.
بقلم بدر الزهارنة، الجيل المبهر - مناصر الشباب
1 في تقرير للمقرر الخاص المعني بقضية حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، وتحت عنوان "تشريح الإبادة الجماعية"، قامت فرانشيسكا ألبانيز بتلخيص الاتي "هناك أسباب منطقية للاعتقاد بأن الحد الذي يشير إلى أن ارتكاب إسرائيل للإبادة الجماعية قد تم استيفاءه"
في 2 كانون الثاني (يناير) 2024، وجدت محكمة العدل الدولية أنه من المعقول أن تصل أعمال إسرائيل في غزة إلى مستوى الإبادة الجماعية. كما اتهمت العديد من المنظمات غير الحكومية الدولية وخبراء حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة إسرائيل منذ ذلك الحين بارتكاب أعمال إبادة جماعية.
النشاط